سيكولوجية الخطوط والأشكال: تحليل شامل لتأثيرها في الفن والتصميم

 اكتشف سيكولوجية الخطوط والأشكال في الفن والتصميم. تحليل شامل لتأثير النقطة، الدائرة، المربع، المستطيل، والنسبة الذهبية على الإدراك البصري.

مقدمة:

إذا استثنينا بعض الكتابات المبكرة، مثل تأملات ليوناردو دافنشي في الإيقاع الناتج عن علاقات الخطوط المتنوعة وإيقاعها، فسنجد أن نقد وفهم الصور ارتبط بالمدلول الأدبي والفلسفي خلال القرون الماضية. بل وما زالت بعض الكتابات لا تخرج عن هذا المفهوم. ساعد على هذا وجود فكرة ثابتة في عقول الناس وهي أن الصورة لا بد أن تروي قصة أو تقول رسالة، وإن كان هذا إحدى وظائف الصورة خلال قرون طويلة، إلا أنه لم يكن وظيفة الفن الوحيدة. زاد ذلك لبسًا أن الفلاسفة كانوا يبنون نظرياتهم عن الوجود كله، ثم يحاولون أن يجدوا إلى هذه النظريات حلولًا ومخارج بفرضها على فلسفة الجمال. ويقصر المجال هنا عن مناقشة نظريات فلسفة الجمال وعلاقاتها بالتذوق الفني، ولكن من المهم الإشارة إلى عوامل ساعدت على تغيير طريقة فهم الناس وتأملهم للعمل الفني بعد أن كان الفنان نفسه يبرر طريقته لرسم الأشياء بأنه يحس أو يشعر بهذا وذاك. عوامل مهدت لوضع قواعد لغة الشكل، حتى أمكن أن يستعين بها كل من الفنان والمستمتع دون أخذها كقضايا مسلم بها. وكان من أهم هذه العوامل كتابات إنجلز وماركس ومناقشتهما الأشياء والظواهر بمفهوم علمي، كمناقشة الغاية والوسيلة والمادة المستخدمة والوظيفة وربط ذلك كله بالواقع المادي والتاريخ. ومن ناحية أخرى كتابات راسكن التي بناها على أن هناك شيئًا يسمى المغالطة الشعورية، أي أننا نتصور الأشياء كائنات حية مثلنا أو نتمثل أنفسنا في الأشياء، نشعر بأنفسنا في الطبيعة ونرى أنفسنا حتى في نسب العمل الفني المجرد. واعترف أن في هذا الكثير من الصحة إلا أنه لم يستطع تبرير نظريته تبريرًا علميًا. وهكذا بدأ إزالة الغبار عن سر عملية الخلق الفني لتأتي بعد ذلك مجموعة من رواد الفنانين ويقيموا معهدًا بألمانيا وكان ذلك سنة 1919. بدأوا يناقشون لغة الشكل محاولين الوصول إلى فك رموزها وإيجاد القواعد لها، وإن كنا الآن سنناقش هذه القضايا أو تلك اللغة، فإننا لا نكتفي في هذا العرض بآراء هؤلاء الرواد العظام ومنهم البروفيسور إيتن، وبعده الفنان بول كلي والفنان كاندينسكي وكتابات هربرت ريد في إنجلترا وإزنفاه في فرنسا وويلنسكي وروجر فراي. لن أتقيد بآرائهم وسوف أقدم من خلال هذه الآراء وجهة نظر وتجربة خاصة، خصوصًا وأن مثالية هؤلاء الرواد أضعفت من منطقهم وأحاطت كتاباتهم بالغموض.

الفن والانسان والطبيعة

كما كانت هذه اللغة التي سنناقش مفرداتها الآن تختبئ قديمًا خلف محاكاة الطبيعة أو بعبارة أخرى كانت تستتر خلف محاكاة الفنان للواقع المرئي. هذه اللغة تستند لدرجة كبيرة على قوانين الطبيعة من حيث الإيقاع والاتزان. إذ أنها تتصل بحساسية الإنسان التي اكتسبها من ممارسته لحواسه عبر آلاف السنين، وهي أيضًا نتيجة لقوانين الإيقاع والاتزان الذي تبني عليها فسيولوجية الإنسان وكل الكائنات الحية وترتبط حتى بقوانين اتزان وإيقاع الأجرام السماوية وعلاقتها بعضها ببعض. وقد أتت أولًا مطابقة وملائمة أو خضوع المزاج الإنساني لهذه القوانين ثم تبعها استكشاف الإنسان لها. ولابد أن نضع في الاعتبار أن هناك اختلافًا كبيرًا بين دراسة مقومات فن والخضوع المطلق والجمود لقوانين معينة والتحذير الذي كان يصرح به كلي دائمًا قبل البدء في محاضراته بأنه يخشى أن يقع تلاميذه في حدائق الأكاديمية الجديدة فتجمد حسهم. هذا التحذير ضاع هباء وحدث فعلًا ما تنبأ به وأصبح الكثير من الفنانين مكبلين بهذه الأكاديمية الجديدة. وعلى كل فلنتعرف على هذه اللغة التي تعتمد على الطبيعة وقوانينها ثم لنا بعد ذلك مطلق الحرية في استخدامها أو رفضها، فلا يمكن أن يؤدي التقيد المطلق بها إلى فهم أو صنع صورة، ولكنها من الممكن أن تساعد على فهم أعمق للعمل الفني والفنان. تكمن شخصيته في اختياره للقوانين التي يبني عليها عمله. تتفاوت هذه القوانين بصورة واسعة بين فنان وآخر وبصورة ضيقة بين كل عمل وآخر يعمله نفس الفنان.

النقطة.

فلنحاول مناقشة أبسط شيء في الطبيعة وهو النقطة أو بقع صغيرة. من منا لم يبصر نقطة على امتداد رمال؟ تكبر رويدًا رويدًا إلى أن تصير رجلًا أو حيوانًا مقبلًا تجاهك

من منا لم يتأمل نقطة تسهيل على زجاج نافذة أو سرب حمام يتحول من زرقة السماء إلى نقط سوداء تتلاشى نهائيًا؟ أو نتطلع من النافذة إلى نقط دائبة الحركة إلى المارة وهي تسعى؟ ذلك جزء من رؤيتنا الدائمة طوال يومنا ومن مجموعة هذه الرؤى المستمرة في حياتنا تتكون حصيلة الفنان. وهو حينما يضع نقطة أو بقعة على ورقة فإن هذه النقطة ستحمل لنا معنى رمزيًا أو ستعكس لنا رؤية بصرية. إلا أنها في الوقت ذاته تؤكد قانونًا هندسيًا ولها وظيفة إيجابية بالنسبة للوحة. فما وجدت في مكانها بمحض صدفة لتعبر فقط عن كائن أو شكل حامل معنى إخباري. فكل ما نراه خلال حياتنا من صور متعددة نختزنه في عقلنا الباطن. وبكل بساطة نربطه عند رؤيتنا له برمز أو مدلول، ولكن هذا الرمز أو المدلول لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كانت هذه النقطة أو النقط يحددها قانون هندسي أو رياضي في علاقاتهما بمساحة الصفحة وإلا لعجزت هذه النقطة عن أن تعطينا أي راحة حسية أو توصل لنا أي معنى معين سوى الركاكة والرتابة.

.

سيكولوجيه النقطة

  • من الممكن أن تكون النقطة ثقبًا.
  • من الممكن أن تكون النقطة حجمًا.
  • من الممكن أن تكون النقطة مساحة.
  • من الممكن أن تكون النقطة طفولة شيء.
  • من الممكن أن تكون النقطة أفول شيء.
  • من الممكن أن تكون النقطة قوة مفصولة نتيجة قوة مركزية طاردة.
  • من الممكن أن تكون النقطة مركزًا لتجميع قوة، أي تجميع اتجاهات خطوط، في هذه الحالة تكون النقطة وظيفتها سلبية وما حولها من قوى أو اتجاهات تقوم بالدور الإيجابي.
  • من الممكن أن تكون النقطة نقطة إشعاع وهنا تكون النقطة قيمة إيجابية بينما الأرضية التي تقوم عليها أو الفراغ الذي حولها يقوم بمثابة القوة السلبية.

الدائرة والمربع والمستطيل

أوضحنا أن النقطة يمكن أن تكون مساحة أو طفولة الشيء وبالتالي فمن الممكن أن تكون دائرة أو مربعًا أو مستطيلًا. كثيرًا ما نجد أشكالًا متنوعة ومختلفة في الطبيعة.

المربع

كثيرًا ما نجد أشكالًا متنوعة ومختلفة في الطبيعة ورغم أن هذه الأشكال تظهر أحيانًا معقدة في تكوينها إلا أننا نستطيع أن نحدد بسرعة ما يوحي لنا به شكلها العام ثم نناقشها نحدد إعجابنا بها وراحتنا النفسية أو استهجاننا ونفورنا منها وهنا يجب أن نقف لنسأل أنفسنا ما هي خصائص الشكل الجميل؟ إن الإجابة على هذا السؤال الذي كثيرًا ما نردده لأنفسنا تعتمد كثيرًا على ما في مخيلتنا من حصيلة. إذا فلنبدأ من مناقشة شيء بسيط وليكن المربع. المربع بالتأكيد له مميزات استقرارية وتكاملية لأن أضلاعه متساوية وزواياه قائمة. إنه وليد الدائرة ومرتبط بها ولكنه ينتمي إلى عائلة الخطوط المستقيمة وإذا تركنا جانبًا العلاقات الخطية التي يمكن أن تولدها أو نولدها منه وأطلنا جانبيه أي وضعنا مربعًا آخر بجانب

 لأنه سيحتوي حتما على انقسامات غنيه بالنسبة لعلاقه الجزء بالكل وعندما يكون العرض مساويا لاحد اشتقاقات الطول الهندسية الصريحة كالنصف او الثلث او الربع فسنتجنب الرتابة الناتجة من ان طول الشكل يساوي عرضه ولكن هذا المستطيل سيوحي الينا مباشره من مربعين بجانب بعضهما او ثلاثة او اربعه.

الدائرة

الدائرة، مثل المربع، شكل أساسي له خواص متكاملة. يجب أن نلاحظ أن مظهرها الجمالي، بل حتى شكلها، يتأثر بالمحيط الذي حولها. فنحن لا نستطيع أن نقول إن محيط الدائرة يحددها، فهو في الحقيقة يفصل مساحتها عن الفراغ الذي حولها، وذلك لأن هذا الخط الخارجي لا يملك أي قيمة استقرارية، بل هو دائمًا يعطي شعورًا بالحركة.

وتكوين الدائرة الهندسي فقير، ولهذا فنحن نجد في كثير من الصور إذا اضطر الفنان بوضع الدائرة فيكسر من قسوة فقر شكلها بأن يجعل جزءًا منها يختبئ خلف مساحة أو شكل آخر. وبالرغم من أنها تبدو ظاهريًا فقيرة، فهي غنية جدًا لاحتوائها على إمكانيات خلق اشتقاقات كثيرة. فالشكل البيضاوي، وهو أحد اشتقاقات الدائرة، أكثر تعقيدًا منها قليلًا لأنه ناتج عن عدد أكثر من المحاور.

وشكل البيضة أكثر أشكال الدائرة راحة لأعيننا لأنه يخرج عن الانتظام الهندسي المألوف وأكثر ارتباطًا بجنسنا لرجوعه إلى الشكل العضوي.

.

وعلى كل، فالشكل الدائري ومشتقاته أصل كل الكائنات العضوية الحية في الوجود. فالحبوب والثمار والأزهار والقواقع ترجع إلى الدائرة ومشتقاتها التي تربطنا أكثر من ذلك للخلية والجنين والجنس.

وتستريح إليها أنفسنا أكثر من غيرها من الأشكال، فأعيننا تجري على إطارها الخارجي دون توقف ودون تمييز البداية أو النهاية.

المستطيل.

كل أوراق الرسم والصور مستطيلة لأن المربع، كما قلنا، محدد في اشتقاقه، وفي العلاقات التي يعطيها لنا ومن استخدام المساحة بالطول أو بالعرض حسب ما يتراءى وحسب ما يفرضه الموضوع. وحينما يصمم مهندس منزلًا، فمن السهل عليه أن يعطي وقارًا ورهبة باستخدام الفتحات المستطيلة. فالنوافذ المستطيلة تعطي اتزانًا للخطوط الأفقية أكثر من المربعات، وإذا اضطر مهندس إلى استخدام المربع أو شكل يقربه في الفتحات، فسنجده يحول التقليل من حدته بواسطة خطوط تقسمه إلى مستطيلات. والمائدة المستطيلة تمتاز كثيرًا عن المائدة المربعة في تنسيق غرفة، فمن الممكن جعل ضلعها الأكبر بسهولة يوازي حائطًا من الحوائط الأربعة. ومعظم الكتب مستطيلة، وليس هذا فقط لامتيازها من ناحية النسب ولكن من ناحية الوظيفة، فالكتاب المستطيل، وخصوصًا إذا كان كبيرًا، سهل الإمساك به حتى ولو كان مفتوحًا.

وأقرب الأشكال تحقيقًا للنسب الذهبية هو المستطيل، وما من مستطيل نرتاح إليه إلا وكان خاضعًا لهذه النسبة.

القطاع الذهبي

حينما يبدأ الرسام صورة يحاول تقسيم المساحة إلى نسب أولية، وعادة نجد بعض هذه الخطوط توازي أحد أضلاع الصورة أو تتعامد عليها. وطوال تاريخ الفن كان الرسامون يتجنبون وضع الخط الأفقي في منتصف المساحة، وما كان الخط الأفقي في الصورة يحدد أشياء كثيرة، أبسط شيء أن تقع عليه مسؤولية قسمة الصورة إلى قسمين الأرض والسماء، واتباعًا لذلك تحدد وظيفة كل جزء ويتضح المدلول الذي ترمز له الصورة. ويجب أن نلاحظ أننا لو قسمنا مربعًا إلى قسمين متساويين فسيظهر دائمًا الجزء الأعلى أكبر من الأسفل وسيعطينا شعورًا بأنه يثقل أنفاس الجزء الأسفل. وإذا بدأنا مناقشة الخطوط الطولية والأفقية التي تقسم أي مساحة فلابد من التعرض لمناقشة النسبة الذهبية أو القطاع الذهبي (Golden Section). وبقدر الإمكان سنحاول ألا نعطيه الكثير من الأهمية حتى لا يتوهم القارئ أنه لا وجود لقانون غيره يحدد لنا جمال المساحات بعضها بالنسبة لبعض الآخر، رغم اعترافنا أن معظم الأعمال الفنية الخالدة، سواء كانت في التصوير أو العمارة، تخضع لهذه النسبة. ببساطة النسبة الذهبية لا تخرج عن نسبة 3/5 أو إلى 5/8 أو 8/13، أي أنها نسبة العلاقات التي تتجنب أو تبعد عن الاشتقاقات الهندسية البسيطة مثل 1/2 أو 2/4 أو 4/8 أو 8/16 وغيرها. تستطيع النسبة الذهبية أن تخدمنا كثيرًا في تحليل أعمال مشاهير الفنانين، رغم أنها ليست القاعدة الوحيدة على العلاقات المتناسقة بعضها مع البعض، والأفضل أن الباحث أو الطالب بقدر الإمكان يتأمل كل ما يصادفه من علاقات في حياتنا اليومية وألا يقتصر تأمله على الأعمال الفنية الخالدة والإنشاءات المعمارية العظيمة، يتأمل ويناقش الأشياء البسيطة المحيطة بنا مثل علاقة الطول بالعرض في معظم الكتب والأبواب وملاحظة توزيع الكتابة داخل دفتي الكتاب أو نسب الأبواب ووضع المستطيل الزجاجي داخلها، هذه الأشياء لن تعطينا قوانين كبيرة ولكنها ستربي لدينا قوة الملاحظة للعلاقات وسيكون من السهل علينا بعد ذلك تذوق العلاقات الناتجة من تعامد الخطوط الرئيسية على الأفقية، تلك العلاقات التي بني عليها الفنان التجريبي موندريان صوره أو العلاقات الهندسية ذات الاشتقاقات البسيطة التي يقضى لها تجميع قطع خشب صغيرة في باب إسلامي قديم. إن التأمل العميق للأشياء البسيطة في حياتنا اليومية هو المدخل الوحيد لتربية الحس الفني.

او العلاقات الهندسية ذات الاشتقاقات البسيطة التي يقضى لها تجميع قطع خشب صغيره في باب إسلامي قديم ان التأمل العميق للأشياء البسيطة في حياتنا اليومية هو المدخل الوحيد لتربيه الحس الفني

No comment

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *